Tuesday, April 28, 2009

رحلة

أنا طليق في أفق أرحب من صدر أمي .. و أكثر حكمة من أبي ... أسقط في فضاء رائق قدماي معلقتان و يداي فوقي .. و أشير الى نجوم .. عيناي مفتوحتان .. لكني لا أرى فيهما ظل الاشياء .. و القلب مغلق على ذاته كأنه لن يحدث أحدا أبدا بعد الليلة .. أنزلق في اللانهاية .. و أعبر برفق مع سرب من الاشياء الطائرة الى عالم واسع .. و هو على اتساعه أبيض .. بياضه كثيف كحليب طازج ..
الاحاسيس في ذاتها ليست شيئا اذا لم ترتبط بحقيقة .. مر الكون امامي يبدو كوحيد قرن عجوز يحمل في يده كتبا و قلم واحد ..
هذا ابني .. يبكي فراقي .. و تلك زوجتي تعمل صابرة .. و هذا جاري يذكرني و هو يرى شرفتي خالية .. و هؤلاء تلاميذي يذكرونني بخير بعد أن أصبح السيد إمام يدرس لهم .. قلت له ألف مرة ألا يقرأ من الكتاب كالببغاء .. هناك مهام أكثر عبقرية في التدريس !

تلك زميلتي .. كلما وضعت كتابا على مكتبي تذكرتني .. آخر شيء جلست عليه كان مكتبي .. آخر شارع اعبره كان الشارع الذي أحبه .. آخر قصة قرأتها كانت لكاتبي المفضل .. و آخر ورقة كتبت فيها كانت كلمات مؤثرة عن فكرة الرحيل في قصيدة درويش الأخيرة ..

كل شيء كما ينبغي أن يكون .. أو هكذا أظن .. الوحدة ليست مفهوما عبثيا كما يقول عنها البعض .. بل هي هبة محببة لمن يفهمها .. رأيت في طريق العبور .. أناس أحبهم كجدتي زهرة .. و ابنة عمي حنان .. كما كنت أراها في منامي تماما .. راقدة في تابوت خشبي أنيق تلبس ملابس بيضاء و على رأسها تاج ..كانت عابسة طوال الوقت .. بعد ثلاث سنوات من فقدها كنت اظنها تعيسة لأجلي .. زعلانة من أنا .. لكن بعد مرور المزيد من السنوات .. فهمت لماذا هي حزينة .. لو عاشت لربما كانت تكون حزينة أكثر .

رأيت أيضا قطة الجيران .. الجائعة دوما و أبدا .. أذكر كيف ضحكت حين تسلقت سور البلكون لتشم عن قرب رائحة الكفتة المشوية عند الجيران ثم قفزت قفزة غير محسوبة العواقب فراحت ضحية الكفتة .. كثيرون منا يروحون ضحية الكفتة .. !

مررت بممر ضيق خانق .. يحدني من كل الاتجاهات زجاج سميك يحجب واقعا آخر يحدث على جانب آخر لا أفهمه .. رأيت زوجتي .. و هؤلاء إخوتي .. يتبادلون حديثا عصبيا .. صفية زوجتي تجلس بملابسها السوداء الواسعة ، تجادل و ترد .. مشفق انا عليها منهم ..

و رأيت الدنيا تظلم و الاصوات تخفت و كأنما يزوروني زائر من بعيد .. ظله طويل و رفيع .. راسه مطئطئة و هالة الحزن تحيطه كالكهرباء .. وضع يده على قلبه و قال : أخبرني يا معلمي .. ما الحل .. ثم بكى !

مها عمر
القاهرة
الرابعة فجرا